Google search engine
الرئيسيةA la uneمساواة أم تكامل بين المرأة والرجل ؟ المواطنة فوق كل شيء

مساواة أم تكامل بين المرأة والرجل ؟ المواطنة فوق كل شيء

مازال رد الناشطين والحقوقيين على نظرية التكامل التي وردت بمسودة مشروع الدستور متواصلا فهم يردون على التكامل بالمساواة أيهما الأقرب إلى المنطق والواقع؟ وأي الموقفين أقرب إلى ما يريده التونسيون؟

عندما نقول تكاملا فإن ذلك يعني أننا نتحدث عن نقصان وأن كل طرف سيعمل على ملء ذلك النقص ليكمل كلاهما الآخر وهو ما يعني أيضا بأنه لا يمكننا أن نتحدث عن دور للرجل إن لم نتحدث عن دور للمرأة بمعنى لا نفهم الواحد دون فهم الآخر، وكل عنصر هو مكمل للآخر إذ لا يمكن فهم عنصر بمعزل عن العنصر الآخر، وهذه نظرة بنيوية تفصل بين العناصر ثم تربط في ما بينها ربطا عضويا بشكل يجعلنا أمام هيكل تتكامل أعضاؤه لتشكيل وحدة متجانسة ومنسجمة. فالرجل والمرأة يتكاملان ليكونا وحدة متجانسة وهي الأسرة.

لذلك فإن أصحاب نظرية «التكامل» لا يفهمون دور الرجل والمرأة إلا في سياق مؤسساتي مثل مؤسسة الأسرة أو غيرها من المؤسسات الأخرى.
وهذه النظرة تفترض أن كلا الجنسين لا يمكن فهمهما في عملية إرتباط ضمن مؤسسة محددة مهامها وهويتها مسبقا ولها سياقها ومرجعيتها.
المرأة في عيون النهضة

وفي سياقنا الاجتماعي الراهن وحسب مرجعية أصحاب نظرية التكامل وهم أساسا ممثلو حركة النهضة الاسلامية فإن المرأة لها من النقائص في مجتمعنا أكثر من الرجل وبالتالي فإن حاجتها له أكثر من حاجته لها ومن هنا تكون سلطة الرجل على المرأة فتكون ثانية في النفوذ والسلطة مهما كان فعلها ودورها ومهامها الحقيقية في المجتمع.

إذن يمكننا أن نستنتج بأن أصحاب نظرية «التكامل» يسقطون في فخ الرؤية البنيوية «المتورطة» في التمييز بين عناصر البنية الواحدة وهو تمييز لفائدة الرجل على حساب المرأة.


لكن هل أن رد أصحاب نظرية المساواة بين الرجل والمرأة يحقق ما يصبو إليه الشعب التونسي بعد انطلاق ثورته؟

مبدئيا، فإن المساوة بين المرأة والرجل تعني أننا أمام جنسين غير متساويين ونريد أن نبلغ بهما مرحلة التساوي وعملية التساوي هنا من المنظور الرياضي (الرياضيات) تعني أن الجزء الأول من المعادلة يساوي الجزء الثاني من نفس المعادلة، وهو ما يعني ان ما للأول هو للثاني، وبالتالي هناك تماثل بين الاثنين.
والتماثل هنا يفترض التشابه، وهي نظرية تماثلية، لا تفرّق بين المختلف، فكل فرد في الانسانية هو مختلف عن بقية الأفراد، ولكن كل الانسانية تلتقي وتتماثل في أكثر من 99 بالمائة وهو ما تؤكده النظريات العلمية في البيولوجيا الوراثية الحديثة كما ان الجنسين اي الرجل والمرأة يختلفان بحكم التراكم الاجتماعي والضرورة الطبيعية، وبالتالي فإن التساوي والتماثل بين المختلفين يُسقط أصحاب هذه النظرية في عملية «تلفيقية» تخشى الاختلاف وتتفاداه وهي أيضا رؤية تمييزية، مثل الرؤية الأولى التي تعتمد نظرية التكامل.
بين التكامل والمساواة

فنظرية المساواة، هي نظرية القسمة والتماثل وبالتالي تلافي الاختلاف الذي يميّز كل جنس، فيحطّ منهما ليخفي ذلك التميّز ويلغيه.
إضافة الى ذلك، فإن أصحاب النظرة الأولى اي نظرة التكامل بين الرجل والمرأة، وهي المنصوص عليها بالفصل 28 من مسودّة مشروع الدستور الجديد، دستور الثورة، يرفضون أو يتفادون ويتصدّون لنظرية المساواة لأن القول في الدستور بالمساواة سوف تكون له انعكاسات على جميع المجالات بما في ذلك مسألة الميراث وهي المسألة التي يرفض الاسلاميون التنازل عنها باعتبارها مرتبطة بالشريعة وتم تحديدها شرعيا، اذ لا مجال بالنسبة اليهم للمساواة في الإرث لأن ذلك خروج عن أحكام الشريعة الاسلامية.
إذا كانت نظرية «التكامل» بين المرأة والرجل هي نظرية «بنيوية» تستند الى التمييز لفائدة الرجل، فإن نظرية «المساواة» هي نظرية «تلفيقية» تعتمد القسمة والتماثل وتسقط هي أيضا في التمييز إذن عند قصور نظريتي التكامل والمساواة، أين المخرج من المشكل؟

اختلاف في الآراء

يتفق الفرقاء، المشاركون في العملية التشريعية التأسيسية على ضرورة القضاء على جميع أشكال التمييز أو على الأقل هذا ما يتم قوله.
إلا أن المبدأ المتفق عليه هو أن التمييز يدخل في خانة التراجع.
كما يتفق الفرقاء المؤسسون، على أن يخضع الجميع الى نفس القوانين أي انهم بصدد بناء دولة تكون المرجعية فيها للقوانين التي يتم سنها على ضوء المتطلبات التاريخية الراهنة للشعب التونسي.

وما دام الجميع يرفض التمييز وأحد الطرفين يرفض التكامل والآخر يرفض المساواة وباعتبار تهافت النظريتين فإن الأصل في الأشياء أن نعود الى الاصل.
والأصل هنا، هو ذلك التعاقد الاجتماعي بين مكوّنات المجتمع التونسي، على إحداث مجلس وطني تأسيسي يتم انتخابه في انتخابات حرة وشفافة وديمقراطية وهو ما تم يوم 23 أكتوبر 2011.
وقد اتفق الجميع المعنيون بالعملية السياسية والتمثيلية عبر الانتخابات على أن يتم ايجاد دستور يمثل كل التونسيين ويضمن حريتهم وكرامتهم وعندما نتحدّث عن دستور فإننا نتحدّث عن دولة، والدولة تستند الى مؤسسات والمؤسسات تحتكم إلى قوانين يجب ان تنطبق على الجميع دون استثناء.
وتحدد هذه القوانين العلاقات بين الأفراد فيما بينهم وبينهم وبين الدولة.

وفي هذا المسار العلائقي المنظم ضمن أطر ومؤسسات داخل الدولة فإننا نتحدث عن المواطنة وبالتالي نتحدث عن علاقة المواطنين ببعضهم البعض وعلاقتهم بالدولة وفق قوانين لا تميز بين المواطنين على أي أساس مهما كان.
عدالة

واعتقد اننا لسنا في حاجة إلى الحديث عن امرأة او رجل، بقدر ما يجب أن نتحدث عن مواطنين، هم سواسي أمام القانون في الحقوق والواجبات.
وهنا من الضروري تجاوز التفصيل التمييزي، والحديث عن العدالة الاجتماعية بين المواطنين والجماعات والفئات أمام القانون.

اذ يجب ان نتحدث عن العدالة في التنمية والعدالة في الشغل والعدالة في الثروة والعدالة هنا يجب ان تكون سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية…
ويعامل المواطنون بكل عدالة بقطع النظر عن لونهم او جنسهم او جهتهم او دينهم او لغتهم فكل من تتوفر فيه صفة المواطنة ويكون حاملا لبطاقة التعريف الوطنية يعامل مثل كل المواطنين وتنطبق القوانين العادلة على الجميع بشكل عادل.

فعندما نتحدث اذن عن رجل وعن امرأة فإننا نتخلى آليا عن صفة المواطنة وعن قيمة العدالة، لذلك فإنه من الضروري ان يتجاوز الفرقاء والخصوم والمتصارعون القول بالتكامل بين الرجل والمرأة أو المساواة بينهما الى القول بالمواطنة والعدالة بين كل المواطنين، فعندما يرتكب شخص ما جريمة يعاقب عليها القانون فإننا لسنا بحاجة الى العودة الى جنس «المجرم» او لونه او جهته… بل يجب تطبيق المجلة الجزائية بكل عدالة، وعندما نتحدث عن شغل فإننا نستند الى مجلة للشغل ونحدد الحقوق والواجبات للعامل مهما كان جنسه أو لونه أو جهته وعندما نتحدث عن التعليم وعن الصحة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والسياسة فنحن أمام مواطن ولسنا أمام رجل او امرأة فمثلما يؤاخذ المواطن على جريمة وتفرض عليه واجبات تجاه بقية المواطنين والدولة فإن له حقوقا تجاه بقية المواطنين والدولة، اذ ان جميع المواطنين هم متساوون في الحقوق والواجبات.

إن المواطنة هي أساس العدالة وهي القادرة دون سواها على بناء دولة تُحترم فيها كل الآراء ويكون للجميع فيها مكانة.

منجي الخضراوي نشر في الشروق يوم 31 – 08 – 2012

RELATED ARTICLES

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

Most Popular

Recent Comments